top of page

حب في شتاء الأكوان/ بقلم فراس الوائلي

Mar 12

2 min read

0

0

0




حب في شتاء الأكوان


امتد شتاء الأكوان كوشاحٍ من فراغٍ يتدلى على عاتق الزمن، حيث كان البرد يتسلل في أعماق المجرات، ينقش أسطورته الأبدية. في زاوية من سديمٍ قديم، تلاقت روحان، لم تكونا جسدين، بل أنفاسٌ هائمة تبحث عن دفء المعنى بين ليالي متجمدة. كانت هي شعاعًا خافتًا يتسلل من شقوق الغياب، وكان هو ظلًا يرتعش عند ملامسة الصقيع. همست له عند اللقاء: “هل كنتُ انفجارًا أم فكرة؟” فأجابها: “وأنا لا أذكر موتي، هل كنتُ انطفاءً أم بداية؟ لكنني أتيتُ للبحث عنكِ منذ تشكلت الحدود الأولى.” في عناقٍ بلا أذرع، التف الضوء حول الظل، متجاوزًا الفصول، حيث تولدت منهما دفقة دفء هزّت أرجاء السديم. لم يكن الحب بينهما نارًا تحترق، بل إشراقة باردة، كالعناقيد الثلجية التي تتشكل ببطء على نافذة الوجود. توالت العصور كنبضات ضائعة بين أعماقهما، يعيد الشتاء تشكيلهما مع كل دورة، فتارةً يذوبان في الريح، وتارةً يتجمدان في نوافذ المجرات. لم يسأل أحدهما الآخر: “من نحن؟” لأن الحب لم يكن سؤالًا، بل ارتجافة؛ لحظة تُمحى فيها الفوارق بين الكائن والعدم. في ليل الكون الطويل، حين توقف الزمن عن عدّ نبضاته، قالت له: “إذا افترقنا يومًا، سأترك أثرًا خفيًا، شعاعًا ضئيلاً يعبر مجرتك.” فأجابها: “وإذا تهتِ يومًا في صقيع الأبدية، سأتحول إلى نجم، أشتعل لأهديكِ الطريق، حتى لو احترقتُ رمادًا.” ومع زفير الأكوان الأخير، حين انسحب الشتاء لينصت لهمس الحب، بقيت روحاهما معًا، غير قابلتين للذوبان، كنغمة نقية تجمدت على وتر الوجود. كان لقاؤهما، في شتاء الأكوان البارد، علامة على أن الحب، وإن كان شتويًا، قادرٌ على أن يُدفئ حتى العدم. وفي لحظة تتلاشى فيها المجرات، حيث تتساقط النجوم كحبات مطر في بحر الزمن، لم يعد هناك فرق بين الوجود والعدم، بين الغياب والحضور. كان الحب، الذي نشأ في قلب العدم، قد أصبح الآن السيمفونية التي تعزفها الكواكب في تناغم لا ينتهي. ارتطمت الأنفاس، وصمت الكون في تلك اللحظة التي كانت أكثر من مجرد بداية أو نهاية. كانت هي، وهو، والمكان، والزمان، يتماهون في حروفٍ لا تكتب، في أصواتٍ لا تُسمع، في أبعادٍ لا تُرى. ومن ثم، انصهرت كل الحكايات، كل الأبعاد، وكل الأزمان، في لحظة لا يمكن تذكرها، حيث لم يعد ثمة شيء سوى تلك الارتجافة الكونية التي تطوف في كل جزء من الكون، تلك الهمسات التي لا تفهمها اللغة. وفي تلك اللحظة الفريدة التي كانت أكبر من أي نبض، كانت الإجابة الوحيدة: أنهما كانا، وسوف يكونان، في قلب كل شيء.


فراس الوائلي



United States of America

3/13/2025

Comments

Share Your ThoughtsBe the first to write a comment.
bottom of page